لا أحب ذاتي ( صحيفة الوطن السعودية )

محمد العتيبي - صحيفة الوطن السعودية 2/1/2018

أرسلت إحدى الفتيات رسالة مضمونها أنها لاتستطيع أن تتصالح مع نفسها لأنها تكرهها كرها شديداً لدرجة أنها تستغرب صبرهاعليها - حسب تعبيرها - وذلك رداً على موضوع في تطوير الذات تحدثت عنه سابقاً ، وبالمناسبة فحرصي الدائم على الحديث عن تطوير الذات لسبب بسيط جداً وهو أن بناء المجتمعات لايمكن أن يتم إلا عندما يبنى أفرادها ويطورون من ذواتهم ، أشد إيلاماً ووقعاً على المرء هو عندما يجد صعوبة في أن يحب نفسه لأن حبها هو المنطلق في حب الحياة وحب الايجابية وحب كل ماحولها ليتولد الحافز في المشاركة في التنمية واعمار الأرض , يجد البعض صعوبة كبيرة في التصالح مع ذاته وفي التعايش معها وربما يصل الأمر بأن يكرهها ويكره كل مافي هذه الحياة وفي الحالات المتقدمة ربما يقدم الفرد على وضع حدا لحياته ! معرفة الأسباب هو المفتاح للتغيير وايجاد الحلول , من أهم العوامل التي تجعل الفرد لايشعر بحب ذاته ولا يكن لها التقدير هو البعد عن الله عزوجل بفعل الطاعات والتقرب اليه بالعبادات لأن ذلك يقتضي الشعور بالوحشة فالطاعة مقرونة بالحب والرعاية والاطمئنان والبعد والعصيان مدعاة للاضطراب وتشتت الذات ولومها والسخط عليها , ومن أسباب كره الذات هوعدم القدرة على استيعاب أن الله خلقنا وجعل لكل منا نقاط ضعف ونقاط قوة يهتدي اليها البعض ويستغلها ويطورها لصالحه بينما البعض الاخر تجده حائرا مكتوف اليدين يلعن الظلام بدلا من أن يوقد شمعه ساخطا على نفسه ومتجاهلا مايمتلكه من قدرات ومهارات تميزه عن الاخرين ولكنه للأسف لم يكلف نفسه استخراج هذه الكنوز الفطرية المدفونة بداخله والتي أودعها الله عزوجل فيه ليقوم بتعزيزها , الانسان عندما يكتشف مابداخله من مواهب وابداعات تتولد لديه تلقائيا الثقة بنفسه , وقد يتسائل البعض : لماذا الحديث عن حب الذات واكتشاف مابداخلنا من مواهب وقدرات ؟ الجواب باختصار هو أنك عندما تعرف نفسك وقدراتك فانك بذلك تحقق رضاك عن نفسك وستحبها حتى لو لم تجني شيء من ذلك سواء كان شهرة أو عائدا ماديا فالمهم هو أن تكون راضيا عنها , اكتشف ذاتك وطور ماتحمله من معارف ومواهب وان لم تستطع ذلك فاسأل من حولك عن مايلاحظوه لديك من موهبة واهتمامات تميزك عن الاخرين فالانسان أحيانا لايستطيع معرفة ذاته الا بواسطة من حوله , وكذلك تستطيع معرفة مايميزك وماتمتلكه من قدرات وذلك من خلال استرجاع الذاكرة وتذكر ماهي الهوايات التي كنت تميل اليها في صغرك وعلى مقاعد الدراسة فليس من المعقول أن تعدم منها واسأل نفسك ماذا أفعل في وقت فراغي هل كنت ارسم أو أكتب أو اقرأ ... ؟ اسئلة كثيرة ستدلك على تساؤلاتك وستوصلك الى أن تحب ذاتك أكثر من ذي قبل , وعندما تحب ذاتك ستزداد ثقتك في نفسك وهذه الثقة بحاجة لعوامل مهمة لتعزيزها كأن تتعلم كيف تقول ( لا ) لتكون صادقا في مشاعرك وبالتعبير عما بداخلك , وأن تعلم بأن الأشخاص الأشخاص الذين تعتقد بأنهم أفضل منك قد تعلموا كيف يحبوا ذواتهم ويقدروها وأنهم وهبوها الكثير ليرتقوا بها ولا يضعوها في موضع يهينها أمام الاخرين , ولتزددا ثقتك بنفسك لابد أن يكون لديك تصور ذهني ايجابي عن ذاتك وليس معنى ذلك أن تتجاهل عيوبك بل يجب معرفة مالديك وماعليك ليكون لك حافزا للتقدم , ولاتنشغل بمايقوله الاخرون عنك وتجعله عائقا في طريقك .. يقول سفيان الثوري رحمه الله : ( من عرف قدر نفسه لم يضره مايقوله الاخرون عنه مدحا أو ذما ) , ومن الأمور المهمة التي تزيد من ثقتك بنفسك وتلهمك حب ذاتك هو تطويرها بالقراءة والاطلاع وتقوية تخصصك ومجالك قدر الامكان وكذلك بممارسة الرياضة والاهتمام بمظهرك والمشاركة في الأحاديث العامة والمناسبات الاجتماعية والأنشطة الخيرية والتطوعية والتي ستجعلك تستشعر نعم الله عليك عندما ترى الام الاخرين , وأن تكون مستعدا لمواجهة المشكلات حتى لو لم تحلها فالمهم أنك حاولت وهذا انجاز في حد ذاته واحذر ان تمجد الاخرين وأنت لم تبادر وتصنع مجدك الشخصي وتضع بصمتك في الحياة , وهكذا فمعرفتك بأنك مختلف عن غيرك وثقتك بنفسك - المتولدة من خلال اكتشافك لمابداخلك من كنوز وقدرات واظهارها وتطويرها - وقربك من خالقك كل ذلك بلاشك من شأنه أن يغير من نظرتك تجاه ذاتك من جديد لتحبها وتفتخر بها أكثر وأكثر , وختاما أدعوك عزيزي القاريء للاطلاع على مقال كتبته سابقا بعنوان ( سعادتك في تصورك الذهني ) والذي أشرت فيه الى التصورات التي نصنعها بأنفسنا وتتشكل في أذهاننا وفي عقلنا الباطن ( اللاشعور ) وأنها هي التي تحدد سلوكنا .. وعلى دروب الحب والسعادة نلتقي .



http://www.alwatan.com.sa/Discussion/News_Detail.aspx?ArticleID=325487&CategoryID=8

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تأجيل الدراسة أو التعليم عن بعد ( جريدة الرياض )

قصة بر " هند " بوالدتها واقعية ومعبرة ( صحيفة الشرق السعودية )

غسيل أفكار ( جريدة الرياض )