فشل العلمانية في القيام بدور العدالة ( صحيفة الوطن السعودية )

محمد العتيبي - صحيفة الوطن السعودية 4/5/2018 


في خطاب وداعه للشعب الأميركي عند انتهاء فترته الرئاسية وبخ جورج واشنطن أولئك الذين يدعون الوطنية، وفي نفس الوقت يقللون من تأثير الدين والأخلاق اللذين يقودان إلى الرخاء السياسي، لأنها أسس تسعد البشر، على حد قوله، أكبر خطأ يرتكبه بعض المسلمين في هذا الزمان هو المناداة بضرورة تطبيق العلمانية في البلاد الإسلامية، والذين يزعمون أن استقلالها عن الدين ليس ذا تأثير، العلمانية نشأت في الغرب لظروف خاصة لمجتمعاتهم في ذلك الوقت لم نمر بها في بلادنا وفي كل البلاد التي تطبق الشريعة الإسلامية، فاستبداد الكنيسة في أوروبا آنذاك وطغيان رجالها وفسادهم واستغلال السلطة الدينية لتحقيق أهوائهم، وكذلك التطور العلمي الهائل وظهور العلماء في شتى العلوم، وسيطرتهم على زمام الأمور وتعريتهم رجال الدين، أدى لمحاربة الكنيسة للعلم والعلماء، ومن أسباب نشأة العلمانية أيضا تحريف الكتاب المقدس الذي بسببه اتسعت فجوة التناقض بين العلم والدين، والتي دفعت بالمسيحيين للبحث عن مخرج، ولو سلمنا بمنطقية تلك الأسباب -لنشأة العلمانية- إلا أنها ليست مبررا لعدم البحث عن الدين الحق بتشريعاته التي تنظم الحياة والسلوك.
ورغم ظهورها في أوروبا وسيطرتها على الأنظمة السياسية لم تستطع العلمانية أن تقضي على التطرف والإرهاب، ولم تعد قادرة على مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة مع نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث اجتاحتها في القرن الماضي الحركات الثورية المتطرفة، كالفاشية والماركسية والتي دمرت أوروبا وطحنتها، وما قام به هتلر -من خلال الحزب النازي- من إرهاب واستعمار وتطهير عرقي وإبادة لأكبر دليل على فشل العلمانية في القيام بدور العدالة والحرية والتعايش وحقوق الإنسان، وحتى لو تظاهرت أوروبا وزعمت أنها علمانية فإن الثقافة المسيحية متجذرة منذ عدة قرون ومن الصعب اقتلاعها، وعدم إدراك بعض الأوروبيين لمثل هذا التضارب في هويتهم يتضح جليا في تعصبهم الديني، وخلق لهجة معادية متزايدة ضد المهاجرين القادمين لأوروبا من المسلمين واليهود المتدينين.
مؤسسو الولايات المتحدة أنفسهم يؤكدون أنه لا يمكن الحصول على الحرية بدون الدين، وأن أكبر أعدائهم هو مجتمع علماني بحرية مطلقة وبلا دين يضبطها، هذا وهم قد عاشوا في بيئة مسيحية، يقول بنجامين فراكلين، وهو من أبرز مؤسسيها: (لا شيء يجلب الألم أكثر من الكثير من المتعة، ولا عبودية أكبر من الحرية التامة)، نحن كما ذكرت لم نمر بتلك الظروف في الغرب، لأننا وبكل بساطة نملك الدين الصحيح القويم والذي هو منهج حياة ورحمة للعالمين، بنظامه المتكامل والشامل لكل شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمدنية وحتى السياسية، وفي الإسلام من المرونة والسماحة والقدرة على التجديد ومواكبة العصر ما يغنينا عن العلمانية وغيرها من الأيديولوجيات.

http://www.alwatan.com.sa/Discussion/News_Detail.aspx?ArticleID=336789&CategoryID=8

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تأجيل الدراسة أو التعليم عن بعد ( جريدة الرياض )

قصة بر " هند " بوالدتها واقعية ومعبرة ( صحيفة الشرق السعودية )

غسيل أفكار ( جريدة الرياض )