حواراتنا ومساحات الإختلاف والإشتراك ( جريدة المدينة )

محمد العتيبي - جريدة المدينة 19/6/2020

من طبيعة النفس البشرية ميلها لإثبات صحة وجهة نظرها وماتراه حقيقة ، ولايتحرر من هذه النزعة إلا من حرر عقله من الهوى وحظوظ النفس بقبول الحق حتى ولو كان ممن يخالفه ويختلف معه فالإختلاف أمر صحي ومفيد وأرض خصبة لنمو الأفكار وتلاقحها ، وهو فرصة لتحفيز العقل على التأمل والبحث ، والتأني في الحكم على الحقائق والإحتمالات وتمحيص الأفكار من العادات العقلية التي يندب إليها في الحوار وحال الإختلاف .
في بعض مجالسنا حواراتنا جامدة بلاروح وليس فيها منطقة رمادية حرة لتنشيط الذهن تعطي فرصة للمحاور المتلقي بالتفكير العميق المتأمل وبالنقد والتساؤل ليتخلى عن الأفكار الجاهزة والقناعات المسبقة بعيدا عن التقليد والتبعية العمياء ، وأحيانا طرح الأفكار بشكل مباشر قد لايلاقي القبول أو الإستيعاب من الطرف الاخر وكأن الفكرة مفروضة عليه وبذلك ربما يصر على فهمه ومايعتقده ، ولكن هذا الشعور سيتلاشى عندما نؤمن بوجود مساحات مشتركة بيننا في حواراتنا نتفق عليها كإيماننا بوجود مساحات للإختلاف والتي لولاها ماتحاورنا وشعرنا بحاجتنا للحوار مع الآخر ولكن تعزيز وتفعيل المساحات المشتركة إبتداءً يحقق الأهداف المرجوة من الحوار ويجعله مستمرا مؤثرا وذو قيمة وفائدة .
التساؤل وطرح الأسئلة مهارة عقلية والتفكير المحكم والإصغاء بفهم يقودنا للحكمة ، وعندما نبدأ حواراتنا بما نتفق عليه فنحن حينها نعطي رسالة مباشرة لمحاورنا ونشعره بأحقيته وإثباته لبعض النقاط التي يعتقدها في الحوار وبذلك يكون مرناً ومهيئاً للإعتراف والقبول بكل شجاعة بأفكار وآراء كان يرفضها بتعصب ، وهذا النهج في الحوار كان يتبعه معلم اليونان الأول سقراط عن طريق ( التهكم  / والتوليد ) لتخليص العقول من الجهل والزيف وإعدادها لقبول الحق والوصول اليه حيث كان يتصنع الجهل ويتظاهر بالتسليم لأقوال محاوره ويسأله حتى يربكه ويجعله متناقضا ثم يلقي عليه الأسئلة مجددا بترتيب منطقي يساعده للوصول للحقيقة وكأنه من ولدها واكتشفها بنفسه ! وهذه الحقيقة في واقع الأمر كامنة في النفس ولكنها بحاجة لمن يغوص في أعماقها ليظهرها بكل تجرد وعقلانية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تأجيل الدراسة أو التعليم عن بعد ( جريدة الرياض )

قصة بر " هند " بوالدتها واقعية ومعبرة ( صحيفة الشرق السعودية )

غسيل أفكار ( جريدة الرياض )