النظم القرآني .. مقاصد ودلالات ( جريدة الرياض )

ليس من عادتي الكتابة عن الكتب واستعراضها ولكن لأهمية الموضوع قادتني حروفي للتحدث عن كتاب ( الإعجاز القرآني وأثره على مقاصد التنزيل ) للدكتورة / رجاء بنت محمد عودة ، وهو كتاب من الحجم الصغير لايتجاوز ال 90 صفحة ولكنه عميق في محتواه بترتيبه السلس والمنظم للمواضيع ، وتتناول الكاتبة فيه أهمية الفهم العميق للقرآن الكريم من خلال تركيزها على الإعجاز في خصوصية النظم القرآني ليجلي فهم المعاني والدلالات المعرفية للآيات وليكشف مقاصد التشريع فيها من خلال خصائص ( لغوية وصرفية وبلاغية ) تندرج تحت أربعة مباحث إعجازية هي : عموم السياق القرآني وفي الآية الواحدة وفي المفردة القرآنية ومن خلال الإستخدام الحرفي .
فلو أخذنا على سبيل المثال في السياق العام من الجانب اللغوي الترادف اللفظي في الآيات بين  ( الزوجة ) و ( المرأة ) كما في قوله عزوجل : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَة .. } ًوقوله عزوجل : { امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ } و { امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا .. } فنلاحظ مما سبق أن كلمة ( زوج ) تأتي حين تكون آيات الزوجية لحكمة أو تشريع من سكن ومودة ورحمة وإنجاب ، وتأتي كلمة ( امرأة ) عكس ذلك وعند الخيانة كما في امرأتي نوح ولوط أو عند اختلاف العقيدة كما في قصة ( امرأة فرعون ) وكذلك عند الأرملة والعقم كما في آيات امرأة إبراهيم وامرأة عمران وتضرع زكريا عليه السلام .
مثال آخر للنظم القرآني نجده متمثلا في الإعجاز في الإستخدام الحرفي لحرف الجر في الجانب اللغوي كما في قوله عزوجل : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ } حيث نجد صورتين للإصطفاء لمريم عليها السلام ، فالإصطفاء الأول عام يشمل الرجال والنساء ، أما الإصطفاء الثاني فهو خاص لورود حرف الجر ( على ) حين قصره على نساء العالمين فاصطفاها الخالق عزوجل وميزها من بينهم .
وعلى مستوى الإعجاز في المفردة القرآنية في الخصائص البلاغية تضرب لنا المؤلفة مثالا للتقديم والتأخير لتأصيل قضية عقدية تتجلى في قوله عزوجل : { إياك نعبد وإياك نستعين } وذلك بتقديم مفردة « إياك » على الفعل « نعبد » فهذا التقديم قد احتوى على دلالة معرفية مكثفة لاتتحقق لو جاءت الآية بسياق مألوف ( نعبدك ونستعينك ) حيث أن تقديم الضمير « إياك »  كما يقول البلاغيون يفيد القصر والحصر وتحقيق العبودية والإستعانة لله وحده دون سواه وبدون هذا التقديم ستحتمل الآية العطف وقد تصرف العبادة والإستعانة لله عزوجل ولغيره !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تأجيل الدراسة أو التعليم عن بعد ( جريدة الرياض )

قصة بر " هند " بوالدتها واقعية ومعبرة ( صحيفة الشرق السعودية )

غسيل أفكار ( جريدة الرياض )