الكراهية والمنهج القراني ( جريدة الرياض )

في سورة الأنعام نهى الله عزوجل المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله – رغم أنها باطلة – لكي لايكون ذلك مبررا لهم لسب الخالق الحق عزوجل ومعاملة المسلمين بالمثل فيقول سبحانه : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم .. ) الآية ، ولم يقل سبحانه ولا تقتلوا أو ولاتدبحوا  ! فالنهي عن السب يستوجب بالضرورة الإمتناع عن ماهو أشد منه .

 

ماجرى في فرنسا ومايجري هذه الأيام من موقفها تجاه المسلمين والإساءات المتكررة للرسول صلى الله عليه وسلم من خلال الرسومات الساخرة وتأكيد رئيسها على إستمرارها في ذلك لمحاربة التطرف والكراهية وأن ذلك من حرية العلمانية التي قامت عليها دولته لايرضاه أي مسلم غيور بلاشك ! ومثل هذه الحرية التي تحدث عنها الرئيس الفرنسي ماكرون والقائمة على إستفزاز عقائد الآخرين وعدم إحترام خصوصيتهم الدينية لايمكن أن تصنع السلام والوئام بل ستزيد من نار التعصب والعنف والإرهاب والكراهية ، وعلى كل حال فالعنصرية والعداء ضد الاسلام وغيره ليس بالجديد فهي موجودة منذ صدر الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن جاء بعدهم من السلف والحكام المسلمين وماكان يزيل احتقانها ويقلل من حدوثها إلا تعامل المسلمين الراقي وتسامحهم مع غيرهم من المختلفين والأعداء ، بل أن الأخلاق المحمدية الراقية والتي تحلى بها هو وأتباعه هي التي قادت كثير من الشعوب والأقطار للدخول أفواجا في الإسلام وتقليد ثقافة العرب والمسلمين ، ومثال ذلك حضارة العرب المسلمين الكبيرة في أسبانيا على مدى ثمانية قرون ، وحتى ملوك الإمبراطوريات العظمى والأباطرة والقياصرة - خصوصا من الألمان - حينها تأثروا بأخلاق العرب المسلمين وتسامحهم فتصالحوا معهم وتوطدت بينهم أواصر الصداقة رغم العداء الشديد والتجييش الذي شنته الكنيسة البابوية في مدينة كليرمونت بفرنسا والتي على أثرها توالت الحروب الصليبية – والتي انهزموا في أغلبها - والتي أعلن إنطلاقها البابا أوربان الثاني سنة 1095م والتي كانت نتائجها كارثية دموية ضد المسلمين وكل ذلك بزعمهم دفاعا عن قبر المسيح وكنيسة القيامة في بيت المقدس وكنائس النصارى في آسيا الصغرى وبيزنطة وليحرروها من أعداء الرب كما يزعمون والحقيقة أنها خدعة سياسية لإيقاف انتشار الاسلام وتمدد حضارة العرب والمسلمين وفي هذه الفترة وحسب المؤرخون ( القرن الخامس للهجرة / القرن الحادي عشر للميلاد )  ظهر الأتراك السلجوقيين الذين استولوا على السلطة في بغداد فاستبدلوا تسامح العرب بالتعصب ومنعوا النصارى من القيام بشعائرهم مما جعل أوروبا تثور وتضطرب بعدما كانت تخشى تقدم المسلمين لوقت طويل ، وكما قالت العرب :( لاينبت العشب على أرض يطأها الترك ) .  

 

الحوادث على مر التاريخ تثبت أن العنف لايؤدي لنتيجة بل يزيد الصراع ويؤجج الكراهية والإرهاب وذلك لايرضاه عقل ولامنطق ولادين وضمير ونحن كذلك لانرضى الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم الذي ليس بحاجة لمن يدافع عنه بالسب والشتم والقتل والذبح بل بنشر سيرته ودعوته وعرض مواقفه الإنسانية مع خصومه وبإتباع سنته والتأسي بأخلاقه  عند تعاملنا مع الآخرين والمسيء منهم مادام أنه لم يتجاوز اللسان فهذا المنهج القرآني الراقي هو أكثر تأثيرا ولكي لايزدادوا شرا ، ولن تضر الرسول صلى عليه وسلم كل إساءة فقد تكفل به الله عزوجل ورفع ذكره :(ورفعنا لك ذكرك ) وقطع دابر من شنئه كما في قوله عزوجل : ( إن شانئك هو الأبتر ) ، والحماس الغير منضبط هو مايريده المسيء ليزيد في شره  كما ذكرت وليبرر مايقوم به ، وكذلك لانغفل وجود الأعداء وبعض الأحزاب والجماعات الإسلامية التي تستغل مثل هذه الأحداث لتثير مشاعر المسلمين وتزيد من غضبهم لتحقق أهدافها وذلك بلاشك يضر الإسلام أكثر ممايخدمه  .

 

محمد العتيبي

9/11/2020

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تأجيل الدراسة أو التعليم عن بعد ( جريدة الرياض )

قصة بر " هند " بوالدتها واقعية ومعبرة ( صحيفة الشرق السعودية )

غسيل أفكار ( جريدة الرياض )