متلازمة السناتوك ( جريدة الرياض )

 محمد العتيبي - جريدة الرياض 9 ديسمبر 2020


يحدث أن تجلس في مكان عام ويجلس بجانبك أو بالقرب منك أحد الأشخاص وهو مشغول بجهازه الجوال والأصوات المزعجة تنبعث منه سواء كانت نغمة رنين مزعجة أو تسجيلات صوتية والأدهى من ذلك - وهو محور حديثنا --عندما يتنقل في السماع والمشاهدة للمقاطع بأنواعها في دقائق ولحظات بشكل سريع وبصوت عالٍ وكأن المكان ملكه ولا يشاركه فيه أحد، وهذا ماحصل معي قبل أيام في انتظار عيادة أحد المستشفيات حينما انشغل أحدهم بمقاطع جواله متنقلا مرة يستمع لأغنية ومرة لما يسمى بالشيلات ثم انتقل بسرعة البرق مستقرا به الحال على مقطع لقارئ يقرأ القران بعد أن بدد سكون المكان وهدوءه وصدع رؤوسنا وأتلف أعصابنا!! ومثل هذا الموقف للأسف كثيرا ما يتكرر .

الحقيقة أن هذا النوع من البشر قد اعتادوا على الفوضوية في حياتهم القلقة وعزلتهم التقنية وصخبها عمن حولهم فضلا عن ذواتهم، فأصبح الوضع لديهم طبيعيا بل غير الطبيعي عندهم هو الهدوء والسكون والتأمل والتفكير الإيجابي وربما لو طلبت منهم استخدام سماعات الأذن أو خفض الصوت ربما يستغربون وينظرون لك بازدراء ويصفونك بأنك (إنسان معقد)! ومما زاد الأمر سوءا هو ظهور تطبيقات مثل (السناب والتيك توك) والتي أثرت بشكل كبير على أولئك المدمنين لها هذا إن افترضنا أن ما يشاهدونه ويستمعون له محتوى مفيدا فما بالك إن كان سلبيا وتافها!

أقول إن هؤلاء المصابين بـ (متلازمة السناتوك) كما أسميتها - اختصارا للسناب والتيك توك - أصابهم نوع من الشعور بالتبلد والاضطراب والتشتت وعدم الاتزان والتركيز والانفصال ذهنيا عن واقعهم - ولو مؤقتا - وعدم الشعور بمن حولهم فجعلت عقولهم وأيديهم مبرمجة على الانغماس والتقوقع والاسترسال في متابعة ما تبثه هذه التطبيقات ولساعات طويلة تؤدي - حسب الدراسات إذا زادت عن 5 ساعات يوميا - لكثير من الاعتلالات والأمراض للكبار والصغار، وللمشكلات الأسرية وحالات الاكتئاب والتوتر، وتؤدي للوحدة وللقلق واضطرابات النوم والمزاج، وتحدث تأثيرات كيميائية في أدمغة المراهقين والأطفال على وجه الخصوص من خلال التأثير في المناطق المسؤولة عن مهارات التفكير واللغة والكلام والقراءة وكذلك التأثير في سرعة نقل واسترجاع المعلومات.

ربما نتجاوز عن إدمان الصغار لمثل هذه التطبيقات التي يغلب عليها التفاهات لصغر سنهم وجهلهم - وهذا لا يبرر إدمانهم عليها - ولكن الإشكالية تعظم عند الكبار وبعضهم ممن تجاوز الخمسين تجده ملاصقا لجهازه مبحرا في عالم آخر ومحركا إصبعه من مقطع لآخر بصوت مرتفع دون أي اعتبار أو مراعاة لمن حوله ولا يكتفي بذلك بل يشاركها الآخرين بإرسالها مهما كان محتواها! وهنا أتذكر عندما كنت أتحدث مع أحد ممن أصيبوا بهذه المتلازمة وأدمنوها عن ما يحدث فيها من تجاوزات فأخذ صاحبنا يحوقل ويستغفر بغضب فعرض لنا اإسم أحدى من اشتهرن بسوء المحتوى فقال صاحبنا بسرعة البرق: (إلا على طاريها خلنا نشوف وش عندها) وأكمل ملاحظا استغرابي: (لا تصير نفسية خلنا نشوف هالعالم ونضحك)!! ، ومثل صاحبنا آخرين يتابعون التافهين من مشاهير التفاهة وينشرون جهلهم وحماقتهم (كما في منصة تويتر) من مقاطع وصور ويكتبون معلقين عليها: (وبعدين مع هالأشكال)!!!

الحقيقة التي لا بد من معرفتها أن الفرد عندما يصل لمرحلة النضج والوعي الكافي سيتحرر من هذه المتلازمة ولن تقيده التقنية بكل ما يتصل بها من برامج وتطبيقات وسيكون أكثر قدرة على إدارة وقته والاستفادة منه فيما ينفعه، وسيستشعر المسؤولية وأنه إنسان مسؤول عن سلوكه وتصرفاته، وسيسمو تلقائيا بفكره ولن يلتفت لكل الحمقى وتفاهاتهم في هذه التطبيقات أو غيرها ولن يشاركها الآخرين، وكذلك لن يسعى لتتبع الفضائح ونشرها، وعندما يستشعر الفرد المسؤولية ويكون ناضجا سيحترم الذوق العام والأماكن العامة وسيحترم الآخرين بعدم إزعاجهم بالأصوات والمقاطع الصادرة من جهازه من خلال استخدامه لسماعات الأذن أو عدم تشغيلها ويفضل أن تكون الإشعارات دائما على الوضع الصامت.


https://www.alriyadh.com/1857794

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تأجيل الدراسة أو التعليم عن بعد ( جريدة الرياض )

قصة بر " هند " بوالدتها واقعية ومعبرة ( صحيفة الشرق السعودية )

غسيل أفكار ( جريدة الرياض )