دعاة التصوف ( جريدة الرياض )

محمد العتيبي - جريدة الرياض 16 أغسطس 2019


ظهر مؤخرًا من ينادي بعودة الطرح الصوفي من جديد والاستفادة من التجارب الصوفية لتساهم في إشاعة السلام والمحبة والتعايش، وقبول الآخر بعيداً عن تعصب علماء العقيدة، وعن التطرف والحزبية والمذهبية (الدنيوية) والتراث الفقهي المشحون بالعدائية والخصومة تجاه الآخر والتي بسببها أهملنا الجانب الروحي حسب قولهم، التصوف في حقيقته وفي صورته الفطرية البسيطة هو الزهد والتقشف والانقطاع عن الدنيا وتربية النفس وتهذيبها وإصلاحها، وقد بدأ منذ صدر الإسلام الأول في عهد العباد والزهاد من الصحابة والتابعين وقد بالغ فيه بعضهم، ولم تطلق كلمة (صوفية) إلا في القرن الثاني للهجرة متمثلة في بداياتها في أبا الحسن البصري وإبراهيم بن أدهم، وكذلك رابعة العدوية من النساء ولكن هذا الزهد امتد حاله وتطور بالتأثر بمظاهر الرهبنة المسيحية من خلال تقليدهم في بناء الأديرة والصوامع وبالتأثر بزي براهمة الهند وطقوسهم، وبذلك انتقلت صورة التصوف الفطرية الطبيعية التي تنشد الفيض والإلهام وتحقيق السعادة لأدوار متقدمة تعدت التعبد واللبس وتسخير الجسم في الطاعات إلى الدراسات الفلسفية من خلال استخدام نظرية الفناء المطلق التي قال بها فلاسفة اليونان والانتقال لنظرية الاتحاد الصوفية التي دعمها الحلاج وأنصاره في القرن الثالث فنادى بـ (الحلول) وادعى أنه اطلع على الغيب وزعم بخوارق العادات حتى ثار عليه معاصروه وعذبوه حتى مات، وجاء من بعده في القرنين السادس والسابع رجال أشبه بالفلاسفة منهم بالمتصوفة وعلى رأسهم محيي الدين بن عربي وابن سبعين الصقلي وجلال الدين الرومي وغيرهم فزادوا العناية بالأبحاث العقلية وأقاموا التصوف على دعائم ونظريات فلسفية واهتموا بمذهب وحدة الوجود بشكل كبير حتى اختلط التصوف بالفلسفة ثم اعترضهم أهل السنة مجددًا بتأييد الغزالي - الذي لم ينكر أصل التصوف – على مسألة الحلول ولم يقبلوا من التصوف إلا ما كان في صورته الفطرية الأولية وليس الذي يحارب العلم وينشر الخرافات ويعتد بأفكار تخالف الدين من البدع والشركيات وغيرها، وبذلك فقد تغلب التصوف السني على التصوف الفلسفي إلى يومنا هذا على الرغم من بقاء بعض مظاهره وشكلياته. 
خلاصة القول: إن الصوفية المتأخرون المعتدلون وعلى رأسهم الغزالي يتفقون على أن التصوف ليس بحاجة لأبحاث نفسية ولا لنظريات فلسفية ولكنه فقط يتحقق من خلال صورته البسيطة: (بالطاعة والتقرب إلى الله) والإندماج في الحياة العامة والمشاركة فيها وهذا هو مذهب أهل السنة دون غلو أو تفريط .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تأجيل الدراسة أو التعليم عن بعد ( جريدة الرياض )

قصة بر " هند " بوالدتها واقعية ومعبرة ( صحيفة الشرق السعودية )

غسيل أفكار ( جريدة الرياض )